في الثلاثين من مايو، عام 1908، وفي الساعة السابعة صباحا ... وقع واحد من أغربها على الإطلاق ... إن لم يكن أغربها على الإطلاق ...
انفجار هائل لم ير العالم مثيلاله قط إلى يومنا هذا ... كتلة هائلة من اللهب ارتفعت من وسط ثلوج سيبيريا في روسيا وأضاءت نصف الكرة الأرضية تقريبا...
الإنجليز أمكنهم قراءة الأحرف الصغيرة من جريدة ( التايمز ) من منتصف الليل... في استوكهولم التقطوا عددا من الصورالضوئية دون وميض، في قلب الليل ...الهولنديون عجوزا عن رصد النجوم، بسبب الضوء المبهر ..وظلت العواصم الأوروبية في نهار دام ثلاث أيام. وفي روسيا نفسها كان وقع الانفجار أعظم وأخطر بكثير.
لقد أكد مزارع كان يجلس على بعد ستين كيلومترامن موقع الانفجار، أنه شعر بلفح النيران، ورأى كتلة هائلة من اللهب تصعد إلى السماء، ثم ألقاه الانفجار بعيدا، وأطاح بسقف منزله.
وانتشرت موجة من الرعب في العالم أجمع بسبب هذا الانفجار والذي بدا للكثيرين وكأنه الخطوة الأولى في طريق فناء العالم من هول ماء رأوا.ولم يتم بحث أسباب هذا الانفجار إلا في عام 1921 أي بعد ثلاث عشرمن وقوعه، وذلك بسبب الاضطرابات السياسية التي كانت تسود البلاد والتي لم تنته إلا قبل عام 1921 بسنوات قليلة ...وكان هذا تقصيرا كبير من العالم المتمدن...حيث لم تكن هذه الاضطرابات السياسية عذرا لعدم بحث أسباب هذاالانفجار الذي هز الكرة الأرضية.
وقد بدأ سوفيييتي يدعي( ل.كوليك) أول بحث علمي فعلي وجاد، عما أطلق عليه الناس اسم ( انفجار سيبيريا )، وعثر على صحيفة قديمة، تصف ذلك الانفجار الكبير، قائلة: "شاهدة الفلاحون جسماشديد الإضاءة، يهبط من السماء، في الشمال الغربي بميل واضح، وبدأ لهم الجسم أسطوانيا، وعندما بلغ ذلك الجسم سطح الأرض انسحق، وتكونت سحابة هائلة من الدخان الأسود ، ثم دوى صوت ألف ألف مدفع، واهتزت القرى المجاورة كلها، وتصورالجميع أنها نهاية العالم .."
والتقط كوليك طرف الخيط، من هذا الوصف الذي نقلته الصحيفةعن شهود عيان، وراح يدرس الأمركله، دون أن يتوصل إلى تفسير منطقي لهذا الانفجار. وفي عام 1927 خرج بدعم من أكاديمية العلوم السوفيتية، في أول رحلة علمية جادة، للبحث عن أسباب هذا الانفجار الغامض.
وكانت رحلة رهيبة بدأها ( كوليك )بالقطارثم بالجيادوالزحافات... وبعدشهر كامل من المعاناة وسط الصقيع والجبال، بلغ ( كوليك ) ورجاله نهر ( ميكيرتا )، حيث رأى أول علامة من علامات الانفجار...
كانت الأشجارفي المنطقة قد اقتلعت من جذورها عن آخرهاوكل قممها تتجه إلى الجنوب الشرقي، وكلما توغل ( كوليك) أكثر، بدت علامات الدمار أكثر شدة وبشاعة... حتى أشجار ( التيجا ) الهائلة اقتلعها الانفجارمن جذورها وقممها تتجه إلى الجنوب الشرقي، وجذورها تشير إلى الشمال الغربي حيث مركز الانفجار حتما... عند هذا الحد رفض رجال كوليك الاستمرار بعد أن امتلأت قلوبهم بالرعب من هول ما رأوا، ولم يملك ( كوليك )سوى الانصياع لهم والعودة. إلاأنه عاود الكرة بعد أشهر قليلة وبعد أن حصل على مرافقين جدد، حتى وصل هذه المرة إلى منطقة كان كل شئ فيها يشير إلى أنه في مركز الانفجار...
ومن فرط حماسة وانفعال، راح ( كوليك ) يضع تقرير الذي أكد فيه أن نيزكا هائل الحجم قد هوى على المكان، وانفجر، فسبب كل هذا الدمار...
واطمأن الجميع لهذا التفسير إلى أن لقي ( كوليك ) مصرعه في الحرب العالمية الثانية، والتي وضعت افتراضا جديدا للانفجار الغامض في ( سيبيريا ) ... وخصوصا بعد قنبلة ( هيروشيما )... فقد لاحظ العلماء أن هناك تشابها كبيرا بين انفجار ( سيبيريا ) وانفجار القنبلة الذرية في ( هيروشيما )... فقد كان التدمير في مركز الانفجار ( في الحالتين ) أقل نسبيا من الأطراف، كما أن بعض الأشجاربقيت واقفة في المركزين، وفي كلا الانفجارين ارتفع عمودمن اللهبوالدخان، على شكل فطر ( عش الغراب )، كما أنه كانت هناك تغيرات وراثية كبيرة في نباتات وحشرات ( سيبيريا )في المنطقة التي حدثت فيها الانفجار، وقروح واضحة على أجسام الحيوانات،تماما كما حدث في هيروشيما بعد الانفجار.
الفارق الوحيد هو أن عمود الدخان واللهب في انفجار ( سيبيريا ) قد ارتفع لمسافة أعلى كثيرا كما لو كان الانفجار. أقوى ألف مرة من انفجار القنبلة الذرية في ( هيروشيما ). كما أن العلماء قد عثروا في مركز الانفجارفي ( سيبيريا ) على قطع من الفسفور النقي، المستحيل وجوده في الطبيعة. وصار من الواضح أن ما حدث على ارتفاع ثمانية كيلومترات من الأرض...
ومن هذا المنطلق، ظهرت عدة نظريات تفسرهذه الحادثة ... وكان أولها نظرية الأكاديمي السوفيتي ( زولوتوف) والذي أعلن أن الذي انفجر في سيبيريا كان سفينة فضاء، قادمة من كوكب آخر، وتستخدم الطاقة النووية في تسييرها، وأن ركابها أدركوا بأنها ستنفجر لا محالة، لتتفجر دون أن تؤذي سكان الأرض، وكل ما عثر عليه العلماء في المنطقة هو بقايا المركبة بعد انفجارها... وهذا التفسير على الرغم مما يبدو عليه من خيال جامح يرضي العقول المطلقة، إلاأنه منطقي للغاية، من الناحية العلمية والعملية وكان من أكثر الأسباب المؤيدةله هي حدوث الانفجار في منطقة غير مأهولة من العالم ... حيث لم يصب بأذى أي إنسان من جرائه... فلو أن الجسم اصطدم بالبحر، لحدثت أمواج هائلة كتلك التي أعقبت انفجار بركان ( كراكاتوا )عام 1983 وأحدثت طوفانات في عدة مناطق وقتلت ما يزيد عن 36000 شخص ولكن العالم ( أ. جاكسون ) رفض هذه النظرية، ووضع نظرية أخرى تقول إن أحد الثقوب السوداء قد ارتطم بالأرض، وأحدث هذا الانفجار الهائل ...
كل هذا إلى جانب نظرية ( كوليك ) والتي أيدها بعض العلماء مع تغيير جوهري ... وهي نظرية النيزك أو المذنب... والمذنب يختلف عن النيزك في أنه يجر خلفه ذيلا طويلا يتكون من الغازات المتجمدة، إلى جوار كميات من الغبار والجليد... وفي دراسة حديثة ظهرت في منتصف الثمانينات، أجمع العلماء الأمريكيون على أن هذا الانفجار لم يكن الأول من نوعه ،بل كان هناك انفجار آخر منذ أكثر من خمسة وستين مليون سنة وقد أدى هذا الانفجار إلى فناء الديناصورات، وأفسح المجال لنا نحن البشر لننمو ونتطور.
ولكن أيا كانت النظريات... فهناك حقيقة واحدة مؤكدة... وهي أنه كان هناك انفجار كبير ... مازال يحمل حتى اليوم اسم ( انفجار سيبيريا )..
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة -العدد 9