الأربعاء، 28 مايو 2014

ماري سليست .. السفينة الملعونة







من أشد السفن نحساً عبر التاريخ البحري على مستوى العالم .. السفينة الكندية المنشأ (ماري سليست) Mary Celeste.

تم تدشين هذه السفينة عام 1861 على سواحل كندا وكانت سفينة شراعية جميلة، حمولتها 282 طن وجسدها متين معد لتحمل العواصف البحرية التي قد تتعرض لها في عرض البحار والمحيطات.

ولكن هذه التحصينات لم تمنع هالة النحس التي أحاطت بالسفينة عبر تاريخها الطويل، إذ تعتبر سفينة (ماري سليست) من أشد السفن نحساً عبر التاريخ البحري على مستوى العالم، ولم تخل رحلة بحرية بهذه السفينة من حادث سيء غامض يثير تساؤلات مالكي السفينة وبحارتها، ولكن لم يُعلم لنحسها هذا سبباً.

كانت أول رحلاتها محملة بالأخبار السيئة إذ لفظ قبطانها الأول (روبرت ماكلاي) وابن مالك السفينة أنفاسه الأخيرة على سطحها خلال الرحلة البحرية، بسبب مرض رئوي.

ولم يفارقها النحس في الرحلات التالية، إذ اصطدمت بقارب صيد في الرحلة التالية، ثم اصطدمت بسفينة أخرى في القنال الإنجليزي، وخلال سبع سنوات تفاوتت درجات النحس التي تعرضت لها في رحلات نقل البضائع من وإلى أمريكا الجنوبية.

في عام 1868 بيعت إلى شخص أمريكي، ولم تبق عنده كثيراً إذ باعها لمجموعة من الشركاء، كان أحدهم هو (بنيامين بريدج) الذي أصبح قبطانها فيما بعد، وأبحر بها العديد من الرحلات البحرية عبر الأطلسي.

ومع القبطان (بنيامين بريدج) تبدأ قصتنا الحقيقية في اللغز الذي حام حول هذه السفينة ولم يُعرف له حل يقيني حتى الآن.

في 5 نوفمبر 1872 أبحر القبطان (بنيامين بريدج) بسفينته ذات النحس القوي (ماري سليست) في المحيط الأطلسي من نيويورك إلى إيطاليا، وكانت حمولتها مكونة أكثر من 1700 برميل الكحول الخام، وكان طاقم السفينة بالكامل مكونمن 10 أفراد، القبطان (بريدج) وزوجته وابنته وسبعة من البحارة مختلفي الجنسيات مشهود لهم بالكفاءة والخبرة البحرية ..

كل هذا طريف، رحلة بحرية عادية كما اعتاد القبطان (بريدج) أن يقول.

في 5 ديسمبر 1872 – أي بعد شهر بالتمام والكمال من إبحار السفينة – كانت هناك سفينة أخرى تمخر عباب المحيط، وهي سفينة (ديا كراتيا) يقودها القبطان (ديفيد مورهاوس) الصديق الحميم للقبطان (بريديج) وقريبه بالدم.

bridg 1 ماري سليست .. السفينة الملعونة

و بينما هم على بُعد 600 ميل بحري غرب البرتغال، إذ أبصر القبطان والبحارة سفينة تبحر بالقرب منهم على بُعد 3 أميال بحرية تقريباً، وحينما نظر القبطان إلى السفينة عبر المنظار لاحظ شيئاً غير طبيعياً في طريقة إبحارها وأشرعتها المنصوبة بشكل غير صحيح.

وحينما اقترب منها أكثر تبين له أنها السفينة (ماري سليست) سفينة صديقه الحميم، فتعجب من طريقة إبحارها ولقاؤه بها في الأساس، إذ أن السفينة تسبقه بحوالي 8 أيام، ولكنه بدافع القلق أمر البحارة بالتوجه ناحية السفينة، خاصة أنه لم يلمح بمنظاره المقرب شخصاً واحداً على سطح السفينة.

وحينما وصل إلى السفينة تأكدت له شكوكه إذ لم يكن هناك شخص واحد على سطحها بالفعل، فأمر بحاره المحنك (ديفيو) بالتوجه إلى السفينة والصعود إليها ومعاينتها والبحث عن طاقمها.

وحينما صعد (ديفيو) إلى سطح السفينة بدى له وكأنه صعد إلى سفينة أشباح، إذ كانت السفينة بها كل ما يخص البحارة من طعام وشراب وملابس وحتى حمولة السفينة من براميل الكحول كانت موجودة بالكامل، ولكن لا أثر للبحارة ولا لقارب النجاة الوحيد، وحبل طويل في ذيل السفينة مدلى في البحر بلا شيء يربطه.

عاد (ديفيو) بتقريره إلى قبطانه، فاشتد قلق القبطان، وأمر بعض بحارته بالصعود إلى السفينة وقيادتها إلى وجهتها، وأمرهم بالبحث عن أى آثار لمعركة أو قتال لدراسة احتمال تعرضهم للقرصنة، ولكن بحارته أنبأوه بأن السفينة نظيفة تماماً، هذا غير أن متعلقات القبطان والبحارة الشخصية مازالت موجودة كما هي ولم تمس، مما ينفي احتمالية وقوع السفينة تحت هجوم القراصنة.

أيضاً من النقاط المثيرة في الأمر هو قاع السفينة الذي كان ممتلئاً بالماء حتى مستوى متر، ولكنه ليس بالشكل الذي يعرض سفينة مثلها للغرق، ولا بالشكل الذي يدع قبطان ماهر مثل (بريدج) يتركها خوفاً من الغرق.

المهم أن القبطان (مورهاوس) قام بإيصال السفينة إلى وجهتها، وقدم تقريراً معتمداً للسلطات عما وجدوه واستنتجوه بخصوص السفينة.


لا تريد الصحافة أكثر من حادث شهي مثل هذا الحادث ليصبح فاكهتها لفترة طويلة من الزمن، ,لتفتح الباب إلى نظريات واحتمالات المهتمين بعلم ما وراء الطبيعة، ليدرسوا تاريخ السفينة النحسي، ويحاولوا استنتاج ما تم للسفينة في ذلك اليوم.

بالطبع تم نفي احتمال أن تكون السفينة قد تعرضت للقرصنة، لأن الشحنة ومتعلقات البحارة الثمينة كلها موجودة، هذا فضلاً عن أنه لم يكن هناك أي أثر للقتال على سطح السفينة.

انتشر احتمال حديث آخر بأن ركاب السفينة تعرضوا للاختطاف من قبل مخلوقات فضائية، اختطفتهم وتركت ما لا يهمه أمرها في هذا الشأن .. السفينة، ولكن لا داعي لأن نجعل من المخلوقات الفضائية شماعة نعلق عليها كل ما نعجز عن تفسيره بصورة علمية .. هذا الاحتمال مرفوض.

هناك احتمال أن يكون القبطان (مورهاوس) وبحارته هم من دبروا عملية القتل للبحارة والقبطان وادعوا أنهم وجدوا السفينة تائهة في عرض البحر، حتى يستفيدوا من النسبة من قيمة شحنة السفينة، حسب القانون .. و لكن (مورهاوس) من القباطن المحترمين جداً هو وبحارته، هذا غير أنه تربطه بـ (بريدج) صلة صداقة وقرابة، فلا يصح أن يقوم معه بكل هذه المناورات ليكسب بعض المال.


احتمال آخر وهو أن القبطان (بريدج) ترك السفينة وحدها لتغرق ليستفيد بقيمة التأمين، ولكن هذا الاحتمال بعيد تماماً عن الصحة، لأن القبطان (بريدج) من القباطنة المشهود لهم بالكفاءة والأمانة، ثم أين هو الآن ليستفيد من قيمة التأمين، وخاصة أنه لا يمتلك السفينة بالكامل وإنما يشاركه فيها آخرون.

أقرب الاحتمالات للصواب هو المتعلق بمغادرة القبطان (بريدج) السفينة هو وبحارته بإرادته خوفاً عليهم من خطر ما، ربما يكون بسبب الكحول الذي يحمله، لأن من فحص السفينة وجد بها 9 براميل كحول فارغة، فربما خشى القبطان على نفسه وبحارته فقام بإنزالهم في قارب النجاة هو وأسرته وربط نفسه بالحبل الذي في مؤخرة السفينة حتى يتمكن من العودة إليها في حالة استقرار الأوضاع، ولكن الحبل انقطع، وابتعد القارب عن السفينة، ثم غرق القارب وهلك الجميع في عرض البحر، وانطلقت السفينة تبحر وحدها حتى وجدها القبطان (مورهاوس).

تبدو الظروف مهيئة لتقبل مثل هذا الاحتمال، وخاصة مع عدم ظهور أي أثر للقبطان (بريدج) أو أسرته وبحارته حتى الآن، وبعد قرن ونصف من الزمان.


وللأسف لم يتخل الحظ السيء عن السفينة، إذ ظل يلازمها من مالك لآخر، حتى أنها بيعت أكثر من 20 مرة خلال 15 سنة فحسب، وكان آخرهم (جي سي باركر) الذي كرهها للغاية وكره نحسها فرأي أن أفضل وسيلة هي إغراقها عامداً وقبض ثمن التأمين، وحاول تحميلها بحمولة أكبر من وزنها ولكن السفينة الملعونة لم تغرق، فقام بحرقها متعمداً وحاول قبض ثمن التأمين من الشركة، ولكنهم اكتشفوا كذبه، فتم إيداعه السجن تمهيداً لمحاكمته، ولكنه مات في السجن في ظروف أقل ما يُقال عنها أنها غامضة.

وهكذا ظلت (ماري سليست) مركونة في مكانها يخشى الجميع الاقتراب منها أو محاولة استخدامها مرة أخرى، حتى تآكل جسدها وغرقت من نفسها، لتنهي بذلك سلسلة من المآسي ولغزين لم يُعرف لهم إجابة حتى الآن .. سر اختفاء طاقم السفينة بالقبطان (بريدج) .. وسر نحس السفينة (ماري سليست)