الجمعة، 28 فبراير 2014

ماذا تعرف عن ... البيمارستان






عرف أطباء العصر الإسلامي العلاج السريري من خلال البيمارستانات التي عني الخلفاء والحكام بتشييدها في شتي أنحاء العالم الإسلامي لتوفير العلاج المجاني للمرضي.
البيمارستان لفظ فارسي تتألف من مقطعين (بيمار) بمعني مريض ، (ستان) بمعني مكان أو دار ويكون معناها بذلك موضع المرض أي المستشفي في عصرنا الحديث.


يقال أن اول من اتخذه عند الإغريق هو أبقراط الذي خصص له موضعاً في بستان له وجعل فيه خدماً يقومون بمداواة المرضي.

عرفت البيمارستانات أيضاً في بلاد فارس ، ومن أشهرها بيمارستان جنديسابور الذي شيد في هذه المدينة قبل ظهور الإسلام بثلاثة قرون وكان لهذا البيمارستان أثره علي البيمارستانات الإسلامية.


كانت البيمارستانات في العصور الوسيطة دورا للعلاج ومعاهد لتدريس الطب. وكانت البيمارستانات مستشفيات عامة تعالج فيها الأمراض الباطنية والرمدية والعقلية وتمارس فيها العمليات الجراحية، يتم العلاج فيها عن طريق طاقم طبي متخصص. كان الأطباء المسلمين هم أول من فرق بين المستشفي العام ودور العجزة والمصحات التي تعزل فيها المجانين وأصحاب الأمراض الخطيرة مثل الجذام. ويعتبر البيمارستان هو الأساس الحقيقي للمستشفيات المعاصرة. ويرجع الفضل في تأسيس المصحات النفسية والمستشفيات العامة والمدارس والجامعات الطبية للأطباء المسلمين في العصور الوسطى. إلى أن تدهورت أحوالها وأهملت وهجرها المرضى فما عادت تستخدم إلا لعزل المجانين، وصارت كلمة مارستان/مورستان تعني مأوى المجانين .


أنشأ الخليفة الوليد بن عبد الملك في عصر الدولة الأموية أول بيمارستان في دمشق عام 707 ميلادية وهو أول بيمارستان في تاريخ الإسلام وأجرى الأرزاق للمرضى وأمر بعلاج وحجز المجذومين لكي لا يخرجوا وقدم المعونة والعلاج بالمجان، وأحضر الاطباء والمعالجين واجزل لهم العطاء.

في صدر الدولة العباسية بنى المنصور دورا للعجزة وكذلك للأيتام وأخرى لعزل المجانين، وأنشأ الرشيد بيمارستانين وجلب لهما الأطباء من المستشفى الساساني في جندي سابور في إیران. كان المشرف على هذا البيمارستان في مدينة جند يسابور الأطباء النساطرة ومنهم آل بختيشوع تحت الحكم العباسي. ففي عام ١٤٨هـ/٧٦٥م مرض الخليفة العباسي المنصور بمرض في جهازة الهضمي قاستقدم طبيب اسمه جرجس بن بختيشوع فقام بعلاج الخليفة، وعلى أثر ذلك كثر اعتماد الخلفاء على العباسيين على أطباء جند يسابور مما أثر في تضاؤل العمل في بيمارسان جند يسابور بالتدريج واختفاء مدرسته في القرن الرابع الهجري. [1].وفي نهاية القرن التاسع بنى المعتضد بيمارستانا. في سنة 872 بنى ابن طولون بيمارستانا في الفسطاط و"شرط أنه إذا جيء بالعليل فُرِش له وأُلبس ثيابا ويراح بالأدوية والأغذية والأطباء حتى يبرأ" وكانت فيه خزانة كتب تحوي ما يزيد على 100 ألف مجلد في سائر العلوم وعمل في آخره ما يشبه العيادات الخارجية في عصرنا هذا.

في سنة 918 م أنشأ البيمارستان المقتدري في بغداد وآخر باسم أم المقتدر ورتب له 24 من أشهر أطباء زمانه فيهم الجراحون والمجبرون والفاصدون والأطباء الطبيعيون وفي سنة 949 م بُني البيمارستان العضدي. في 1181 م، وأنشأت في دمشق دور للعلاج وعيادات للعلاج بجانب البيمارستان الأول الذي بناه الوليد وأنشأ صلاح الدين الأيوبي بيمارستانا في القاهرة ووصفه الرحالة ابن جبير، إلا أنه لم يبق منه أثر في يومنا هذا، وذكرت دور العلاج والشفاء التي كانت قائمة في دمشق وقد وصف وكتب المؤرخون مدى ما كان عليه من خدمات العلاج في بيمارستان دمشق وخدماته المجانيه التي كان يقدمها وما وضع في خدمة المرضى من معالجين واطباء ووصف دقيق لاقسام وغرف البيمارستان.

في 1224 م بنى الملك المنصور قلاوون البيمارستان المنصوري ضمن مجموعته المعمارية التي لا يزال بعضها قائما في القاهرة، وأدخل فيه كل مبتكر وقد وصفه المقريزي كما وصفه ابن بطوطة؛ كما كتب عنه ابن عبد الظاهر في كتابه "تشريف الأيام" أنه "بيمارستان عظيم الشأن لا تصل همة ملك إلى ابتناء مثله"، وقال عنه ابن شاكر الكتبي في كتابه "فوات الوفيات" إنه "البيمارستان العظيم الذي لم يكن مثله"، وقال القلقشندي في كتابه "صبح الأعشى" إنه "البيمارستان المعروف الذي ليس له نظير في الدنيا". وقد ظل قائما إلى حملة نابليون على مصر في بدايات القرن التاسع عشر ووصفه جومار وصفا مطولا فكتب عنه في كتاب "وصف مصر" أن المريض الواحد في البيمارستان المنصوري في عصور ازدهاره كان يتكلف ديناراً في اليوم، وله في خدمته شخصان كما أن المرضى المصابين بالأرق كانوا ينقلون إلى قاعات منفصلة حيث يستمعون إلى عزف جيد الإيقاع، أو يتولى رواة متمرنون تسليتهم بالحكايات، وفور أن يسترد المريض صحته يتم عزله عن بقية المرضى، ويمنح عند مغادرته للبيمارستان خمس قطع ذهبية. كانت في البيمارستان المنصوري أقسام للرمد والجراحة والأمراض الباطنية، كما كانت فيه قاعة للأمراض العقلية ملحق بها حجرات لعزل الحالات الخطرة، وكان ينقسم إلى جناحين أحدهما للنساء فيه كل ما في جناح الرجال، وكان فيه مدرسة للطب فيها صالة محاضرات زودت بمكتبة.

و لم يبق من البيمارستان المنصوري سوى بقايا إيوانين: قسم من الإيوان الشرقي به سبيل، وجزء من الإيوان الغربي به سبيل كذلك، كانت تنساب إليه المياه وتخزن في حـوض، ولا يزال استعمال هذا المستشفى (بمبان حديثة) قائماً حتى الآن لعلاج أمراض العيون.

في دمشق أنشأت مستشفيات عديدة منها البيمارستان الكبير البيمارستان النوري الذي شيده نورالدين زنكي وكان من أهم مشافى البلاد الإسلامية عمل به مشاهير العلاج والاطباء وكانت في البيمارستان النوري اقسام عديدة لكل أنواع الامراض وعيادة خاصة أو (صيدلية) تقدم الادوية والعلاج للمرضى والبيمارستان النوري في حلب، أضافة لعدد من العيادات ودور العلاج.

أنشأ الأمويون أول مستشفى في الأندلس عام 1305 م في مدينة غرناطة, وفي ذلك العصر عرف العرب المسلمون المستشفيات المتنقلة، ومنها ما كان يحمله أربعون جملا.